كتاب الطين -عبده الخال |
حجم الكتاب:5.26mb
عدد الصفحات 402
الكاتب عبده الخال
حينما تقرأ رواية كرواية (الطين) لعبده خال فإنك تحتاج إلى حضور ذهني كبير، فرواياته، وهذا هو الغالب عليها، تتكئ كثيرا في التشويق على عنصر الزمن، وكثيرا ما وجدت لدى عبده خال في رواياته ما يغازل به خيال وفكر القارئ من محاولات في اللعبة الزمنية، لكن الحال في هذه الرواية (الطين) يختلف، وسيأتي ذكر هذا الاختلاف لاحقا، يأتي ذلك مهماً كونها تجعل من الزمن لعبتها حيث تمثل العودة من بعد الممات.
يمكن إيجاز رواية الطين، إذا كان يمكن إيجاز الرواية واختصارها، في طبيب أو محلل نفسي يعمل في مستشفى عسكري، يدخل عليه مريض يعرف فيما بعد منه أنه مات وعاد مرة أخرى إلى الحياة، وبوقوف المريض مع طبيبه في الشمس خارج المستشفى، أثبت له أن لا ظل له، ما يعني عدم وجوده الفيزيائي في هذه الحياة، بعد ذلك تبدأ رحلة الطبيب مع مريضه ويدخل في جلسات نفسية ودراسات لحالته، عرف فيها تاريخه دون أن يستطيع الوقوف على سر عدم وجود ظل له، أو أن يفتح بعض مغاليق سره الغريب، خاصة وأن هذا المريض كان يعيش على هامش قريته الاجتماعي، وكان يعاني التعذيب القاسي من أبيه صالح التركي، فقرر المشاركة بهذه الحالة في مؤتمر طبي، وراسل مجموعة من ذوي الاختصاص يسألهم عن شخصية المريض.
المتأمل في رواية الطين يجد أن الحكاية اعتمدت على صالح التركي أكثر من أي شخصية أخرى، وهي، في الحقيقة، شخصية فذة استطاع الكاتب أن يجسدها بشكل جيد، واستطاعت هي أن تشكل في ذهن القارئ وفي وجدانه انطباعا نفسيا قويا، ولعلها الشخصية الوحيدة التي وصلت إلى هذا الحد من الوضوح في الرواية من بين بقية الشخصيات التي امتلأت بها رواية الطين.
ترتهن الرواية إلى الإنسان المخلوق من الطين، هذا الإنسان يعيش الزمن بوجود فيزيائي محدد، وبعد خروج الروح منه يدخل عالما آخر ما ورائي عرفناه من النصوص الدينية، وعرفنا البرزخ الذي يعيشه الإنسان بعد مماته، وتواردت كثير من الأحاديث عن الحياة التي يعيشها الإنسان، فهي إما أن تكون حياة شقاء أو حياة سعادة، فيكون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وكما روت الإسرائيليات الدينية أو حتى القصص الشعبية كثيرا من قصص القبور، وقصص دخول بعض من تجرأ من الأحياء على رهبة الموت مع موتى، ليقفوا على بعض ما يعيشه هؤلاء الموتى في حياة القبور، فمنهم من رأى الذي حوسب على المال ومنهم من رأى آخرين حوسبوا على غير ذلك من متاع الدنيا. والجامع لكل تلك الروايات ما يلقاه الإنسان من ويلات في القبر مقابل أمور ارتكبها في دنياه غير مبال أو عارف بما ينتظره من عقاب، وكل تلك الروايات تهمل الرؤية الفيزيائية، فلا تتطرق إلى أن من الصعب رؤية مثل تلك الأمور من نعيم وعذاب دون أن يغلق القبر، فالمتأملون في القبور لا يجدون شيئا اختلف في موتاهم أو في قبورهم، ما يعني أن شيئا من هذا لا يحدث في معاييرنا الفيزيائية الدنيوية، ولذلك فإن التصديق بهذا العذاب أو بالنعيم إنما هو تصديق ديني، وإيمان يقيني بما سيلاقيه الإنسان مقابل عمله في الدنيا.
تعليقات
إرسال تعليق